bac.Tunisien Matiere Arabe
  العجيب في رسالة الغفران4
 
لقد شرّع السّارد لطريقة التّرابط في وصفه لابن القارح: " يستمرّ في الجنّة على غير منهج ومعه شيء من طعام الخلود " ( 13 ). لذلك قامت الأحداث في ترابطها على التّداعي أو ما عبّر عنه الأستاذ " حسين الواد " بالانضمام. فكان التّرابط في معظمه يتمّ بواسطة حرف العطف الواو. مثل قوله: " ويمضي في نزهة " ( 14 ) أو يتمّ هذا الترابط بواسطة فعل هو العجب عينه وهو " يخطر له "، أو يتمّ بواسطة ثمّ – إذا وإذ اللّتين تفيدان الفجائية. جاء في الرّسالة قوله: " ثمّ يضرب سائرا في الفردوس فإذا هو بروضة مونقة وإذا هو بحيّات يلعبن ويتماقلن " ( 15 ) . وجاء أيضا: " ثمّ ينصرف إلى عبيد فإذا هو قد أُعطي بقاء التّأبيد " ( 16 ). فالانضمام كما يذهب إلى ذلك " حسين الواد "، يسمح للنّصوص الرّوائية: " بأن تحوي ما يريد مؤلّفها من أحداث من غير أن يكون لقلتها أو كثرتها عيب، معنى ذلك أنّ الانضمام يجعل هياكل النّصّوص منفتحة، أي قابلة للتّضخيم والإيجاز ". ( 17 ) . فما وجه العجب في أن ينتقل السّارد بشخوصه دون سابق إعلام ؟ أي دون مقطع سرديّ يمهّد للانتقال من حدث إلى آخر ؟ إنّ في اعتماد التّداعي وطريقة الانضمام في الرّبط بين الأحداث إقصاء للتّنظيم والتّنسيق وإلغاء لسلطة العقل الذي يعدّ من مشمولات الطّبيعيّ. ففي إقصاء العقل تشريع لتدخل قوّة متعالية ترتبط بالحدث فتكون لها القدرة على تسييره. وهي في آخر الأمر – وربّما في أوّله – المسيّر الحقيقيّ لابن القارح وبذلك ننتقل من الحدث الطّبيعيّ إلى الحدث غير الطّبيعيّ. ولعلّ ما يؤكد ذلك ما رأيناه في ازدواجيّة الحدث وتركيبه، فالأحداث في الرّسالة جلّها طبيعية من ذلك قوله: " ثمّ إنّه أدام الله تمكينه يخطر له حديث شيء كان يسمّى النّزهة في الدّار الفانية فيركب نجيبا من نجب الجنّة خلق من ياقوت و درّ " ( 18 ) وقوله: " ويبدو له أن يطّلع إلى أهل النّار لينظر إلى ما هم فيه " ( 19 ) . إلاّ أنّ هذه الأحداث متى اقترنت بقوّة فوق طبيعيّة كقوله: " فيريد بلّغه الله إرادته أن يصلح بين النّدماء " ( 20 ) . وقوله: " بل هو بتقدير الله الكريم " ( 21 ) ، تكتسب صفة العجائبيّة والبغتة ولعلّ هذا الاقتران هو الذي جعل هذا التّرابط قائما على التّداعي لأنّ العجائبيّة والبغتة تناسبان تماما طبيعة القدرة التي تسيّر هذه الأحداث المتداعية. ويغلّف الحكي إذن خطاب سرديّ لأحداث ووقائع يكتنفها الغموض وتحيط بها السّريّة ويصاحبها الغريب وتغلب عليها الدّهشة والمفاجأة. يقول: " وسبحان الله كلّما كشفت القدرة بدت لها عجائب " ( 22 ). إنّ سرعة التّنقل في الأحداث لا تجعلنا نغفل عن الخوض في الحدث الواحد. ومتى فعلنا ذلك نصل إلى أنّ الحدث في الرّحلة يتّخذ وجوها عديدة ويتجلّى في أغلبه العجيب . وأوّل هذه الوجوه التّناقض بين مكان وجود الشّخص والحدث المتعلّق به. فإذا " بشّار بن برد " يتحدث عن الشّعر والشّعراء وهو: " يغمض عينيه حتى لا ينظر ما نزل به من النّقم، فيفتحهما الزّبانية بكلاليب من نار لينظر ما نزل به من النّكال " ( 23 ). ثمّ إنّ هذه المفارقة بين الوضع والملفوظ أو بين المكان والحد ث تنسحب على كلّ الشّخوص في النّار فإذا هم يقولون يقولون شعرا والحال أنّهم يصلون نارا. وهذا الضّرب من المفارقات يضفي على الأحداث صفة العجائبيّة . فإذا هي منقطعة عما يمليه المكان فلا نقف بذلك على أيّة نقطة تقاطع بينهما. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها موقف ابن القارح وهو يسجد طالبا تعديل تكوين الجارية وموقف عبور الصّراط زقفونة وموقف الغفران وضياع صكّ التّوبة...
 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement