bac.Tunisien Matiere Arabe
  العجيب في رسالة الغفران3
 
فالشيخ ينظر في رياض الجنّة " فيرى قصرين منيفين " ( 6 ) وابن القارح يصل في بعض مواطن الرّحلة إلى " باب الجنّة " ( 7 ) ويعترضه في مراحل أخرى " بيت في أقصى الجنّة " ( 8 ) وإذا بالجنّة لها حدودها الخاصة: إنّي لأكون في مغارب الجنّة فألمح الصّديق من أصدقائي وهو بمشارقها " ( 9 ). يبدو المكان على هذه الحدود مألوفا يسقط عنه الجانب العجائبيّ. إلاّ أنّ السّارد لا يقنع بهذا المكان البسيط لألفته والعاديّ لصفته الأرضيّة، بل يعمد إلى إلحاقه بوصفٍ مغالى فيه فيتحوّلُ إذّاك إلى عالم عجائبيّ التّضاريس والمادّة، يستمدّ مفارقته للعالم الأرضيّ من نعوت التصقت به. فابن القارح: " يمضي في نزهته تلك بشابين يتحادثان كلّ منهما على باب قصر من درّ " ( 10 ) وغذا بأركان تهتزّ. " وتجري في أصول ذلك الشّجر أنهارٌ تختلج بماء الحيوان والكوثر يمدّها في كلّ أوان، من شرب منها النّغبة فلا موت، أمن هناك الفوت ". ( 11 ) وهكذا يبدو المكان في رحلة الغفران يتّخذ منحاه العجائبي من اقترانه بجملة من النّعوت والأوصاف المخصوصة حتّى أنّنا إذا أبعدناها نعود بالمكان إلى مرجعيّته الأصليّة، ويصبح بذلك عالم الرّحلة عالما واقعيّا. لكنّ اقتران هذه الأوصاف بالمكان جعله مجلوبا دخيلا مجهولا. وعلى هذا الأساس فإنّنا لا نملك وسيلة للطّعن فيه وفي صحّة المعلومات التي قدّمت عنه والخصوصيّة التي بدا عليها، ذلك أنّنا لا نعلمها أصلا، ولا نعلم أيّ علم بأوليّاتها ومقاييسها. فهو مكان نفاجأ فيه بالموتى والعجائب؛ لذلك فهو يذكّرنا لا محالة بما نعرفه ويحكى لنا في الحكايات الشّعبية والخرافات والأساطير. ثمّ إنّ هذه الخاصيّة الأولى للمكان تجعلنا نضع في الاعتبار إحدى مميّزاته الأساسيّة فهو مكان يفرّ من وطأة الزّمن ويفلت من حصار المقاييس الزّمنية: " فلا تغيّر بأن تطول الأوقاتُ " ( 12 ). وهكذا يصبح المكان في رحلة ابن القارح مستقلاّ بذاته خالدا خلود صاحبه المسلم في الجنّة. فإذا الأنهارُ في نهاية الرّحلة على سيلانها في البداية، وإذا الأشجار وارفة الظلّ طيلة الرّحلة لا تغيّر يطرأ عليها، وإن طرأ فاستجابة لـ " خاطر " ابن القارح لا خضوعا لمعقول الزّمن. فالعناصر المكوّنة للمكان حافظت على خصوصياتها فلم تتأثّر بفعل الزّمن ذلك أنّها تكوّن مكانا يتأسّس على تسهيل أطروحة الرّحلة التي تضمن له الحركة وعدم الاستقرار من خلال الفضاءات والمناخات القائمة. إنّ الذي يشرّع لكلامنا عن الأحداث في قسم الرّحلة هو تواتر تلك المقاطع النّصّية التي لو فصلناها عن الرّحلة لمثّلت مشاهد تتحرّك فيها الشّخوص وتفعل... لذلك كان حديثنا مقسّما إلى قسمين: يشمل الأوّل الأحداث عموما وطرق ترابطها. ويشمل الثّاني الحدث الواحد في اقترانه بالطّبيعيّ أو غيره.
 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement